سورة المؤمنون - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المؤمنون)


        


{فَقَالَ الملؤا الذين كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ} أي أشرافهم لعوامهم {مَا هذا إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ} يأكل ويشرب {يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ} أي يطلب الفضل عليكم ويترأس {وَلَوْ شَاء الله} إرسال رسول {لأَنزَلَ ملائكة} لأرسل ملائكة {مَّا سَمِعْنَا بهذا} أي بإرسال بشر رسولاً أو بما يأمرنا به من التوحيد وسب آلهتنا والعجب منهم أنهم رضوا بالألوهية للحجر ولم يرضوا بالنبوة للبشر {في ءَابائنا الأوَّلين * إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ} جنون {فَتَرَبَّصُواْ بِهِ حتى حِينٍ} فانتظروا واصبروا عليه إلى زمان حتى ينجلي أمره فإن أفاق من جنونه وإلا قتلتموه {قَالَ رَبّ انصرنى بِمَا كَذَّبُونِ} فلما أيس من إيمانهم دعا الله بالانتقام منهم، والمعنى أهلكهم بسبب تكذيبهم إياي إذ في نصرته إهلاكهم، أو {انصرني} بدل {ما كذبون} كقولك (هذا بذاك) أي بدل ذاك والمعنى أبدلني من غنم تكذيبهم سلوة النصرة عليهم {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ} أي أجبنا دعاءه فأوحينا إليه {أَنِ اصنع الفلك بِأَعْيُنِنَا} أي تصنعه وأنت واثق بحفظ الله لك ورؤيته إياك، أو بحفظنا وكلاءتنا كأن معك من الله حفاظاً يكلئونك بعيونهم لئلا يتعرض لك ولا يفسد عليك مفسد عملك ومنه قولهم (عليه من الله عين كالئة). {وَوَحْيِنَا} أمرنا وتعليمنا إياك صنعتها. رُوي أنه أوحي إليه أن يصنعها على مثال جؤجؤ الطائر.
{فَإِذَا جَاء أَمْرُنَا} أي عذابنا بأمرنا {وَفَارَ التنور} أي فار الماء من تنور الخبز أي أخرج سبب الغرق من موضع الحرق ليكون أبلغ في الإنذار والاعتبار. روي أنه قيل لنوح: إذا رأيت الماء يفور من التنور فاركب أنت ومن معك في السفينة، فلما نبع الماء من التنور أخبرته امرأته فركب وكان تنور آدم فصار إلى نوح وكان من حجارة. واختلف في مكانه فقيل: في مسجد الكوفة. وقيل: بالشام. وقيل: بالهند. {فاسلك فِيهَا} فأدخل في السفينة {مِن كُلّ زَوْجَيْنِ} من كلّ أمتي زوجين وهما أمة الذكر وأمة الأنثى كالجمال والنوق والحصن والرماك {اثنين} واحدين مزدوجين كالجمل والناقة والحصان والرمكة. روي أنه لم يحمل إلا ما يلد ويبيض من كل حفص والمفضل أي من كل أمة زوجين اثنين و{اثنين} تأكيد وزيادة بيان {وَأَهْلَكَ} ونساءك وأولادك {إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ القول} من الله بإهلاكه وهو ابنه وإحدى زوجتيه فجيء ب (على) مع سبق الضار كما جيء باللام مع سبق النافع في قوله {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المرسلين} [الصافات: 171] ونحوها {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكتسبت} {مِنْهُمْ وَلاَ تُخَاطِبْنِى فِى الذين ظَلَمُواْ إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ} ولا تسألني نجاة الذين كفروا فإني أغرقهم.


{فَإِذَا استويت أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الفلك} فإذا تمكنتم عليها راكبين {فَقُلِ الحمد للَّهِ الذى نَجَّانَا مِنَ القوم الظالمين} أمر بالحمد على هلاكهم والنجاة منهم. ولم يقل فقولوا وإن كان {فإذا استويت أنت ومن معك} في معنى إذا استويتم لأنه نبيهم وإمامهم فكان قوله قولهم مع ما فيه من الإشعار بفضل النبوة {وَقُلْ} حين ركبت على السفينة أو حين خرجت منها {رَّبّ أَنزِلْنِى مُنزَلاً} أي إنزالاً أو موضع إنزال {منزلاً} أبو بكر أي مكاناً {مُّبَارَكاً وَأَنتَ خَيْرُ المنزلين} والبركة في السفينة النجاة فيها وبعد الخروج منها كثرة النسل وتتابع الخيرات {إِنَّ فِى ذَلِكَ} فيم فعل بنوح وقومه {لأَيَاتٍ} لعبراً ومواعظ {وَإِنْ} هي المخففة من المثقلة واللام هي الفارقة بين النافية وبينها والمعنى وإن الشأن والقصة {كُنَّا لَمُبْتَلِينَ} مصيبين قوم نوح ببلاء عظيم وعقاب شديد، أو مختبرين بهذه الآيات عبادنا لننظر من يعتبر ويذكر كقوله تعالى: {وَلَقَدْ تركناها ءايَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [القمر: 15].


{ثُمَّ أَنشَأْنَا} خلقنا {مّن بَعْدِهِمْ} من بعد نوح {قرناً آخرين} هم عاد قوم هود ويشهد له قول هود {واذكروا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} [الأعراف: 69] ومجيء قصة هود على أثر قصة نوح في (الأعراف) و(هود) و(الشعراء) {فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ} الإرسال يعدى ب (إلى) ولم يعد ب (في) هنا وفي قوله {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِى أُمَّةٍ} [الرعد: 30] {وَمَا أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ} [الأعراف: 94] ولكن الأمة والقرية جعلت موضعا للإرسال كقول رؤبة:
أرسلت فيها مصعباً ذا إقحام ***
{رَسُولاً} هو هود {مِنْهُمْ} من قومهم {أَنِ اعبدوا الله مَا لَكُمْ مّنْ إله غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ} (أن) مفسرة ل {أرسلنا} أي قلنا لهم على لسان الرسول اعبدوا الله.
{وَقَالَ الملأ مِن قَوْمِهِ} ذكر مقالة قوم هود في جوابه في (الأعراف) وهود بغير واو لأنه على تقدير سؤال سائل قال: فما قال قومه؟ فقيل له: قالوا كيت وكيت، وههنا مع الواو لأنه عطف لما قالوه على ما قاله الرسول، ومعناه أنه اجتمع في الحصول هذا الحق وهذا الباطل وليس بجواب للنبي صلى الله عليه وسلم متصل بكلامه ولم يكن بالفاء، وجيء بالفاء في قصة نوح لأنه جواب لقوله واقع عقيبه {الذين كَفَرُواْ} صفة للملأ أو لقومه {وَكَذَّبُواْ بِلِقَاء الآخرة} أي بلقاء ما فيها من الحساب والثواب والعقاب وغير ذلك {وأترفناهم} ونعمناهم {في الحياة الدنيا} بكثرة الأموال والأولاد {مَا هذا} أي النبي {إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} أي منه فحذف لدلالة ما قبله عليه أي من أين يدعي رسالة الله من بينكم وهو مثلكم {وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مّثْلَكُمْ} فيما يأمركم به وينهاكم عنه {إِنَّكُمْ إِذاً} واقع في جزاء الشرط وجواب للذين قاولوهم من قومهم {لخاسرون} بالانقياد لمثلكم، ومن حمقهم أنهم أبوا اتباع مثلهم وعبدوا أعجز منهم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8